محاضرة مجدي شلبي عن الأدب الساخر في نادى أدب المنصورة 26 سبتمبر 2010

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محاضرة مجدي شلبي عن الأدب الساخر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في نادى أدب المنصورة 26 سبتمبر 2010
مشاعل النور:
مساء الأحد 26 سبتمبر 2010 و فى أمسية عنوانها الأدب الساخر لعب (القدر) الساخر لعبة جديدة من ألاعيبه المكشوفة التي تشبه ألاعيب الصغار، فانقطعت الكهرباء فجأة و دون سابق إنذار، عندما تأهب المحاضر/ مجدى شلبى لإلقاء محاضرته وسط جمع غير قليل من أعضاء نادى أدب المنصورة و بعض المهتمين بالشأن الثقافى العام...
و على ضوء مشاعر الوفاء و الحب التي تجمع الحضور الكريم بدأت المحاضرة، ورغم أن الإدارة حذرت من أن الكهرباء لن تأتي إلا في صباح الغد، إلا أن الأدباء ظلوا في أماكنهم ليثبتوا أنهم الأحرص على استمرار نشاط نادى أدب المنصورة تحت أي ظرف من الظروف...
و لم تمض سوى دقائق معدودات حتى عادت الكهرباء إلى رشدها، و علق أحد الأدباء الأذكياء: الأديب الحقيقى يضىء و لا يضاء!.
مقدمة:
و كان قد بدأ الأديب مجدي شلبي حديثه في السابعة مساء بأن نوه إلى أن هذه المحاضرة جاءت بديلاً عن مناقشة المجموعة القصصية (إنها حبيبة) للأديب محمود سلامه الذي رفضه مناقشاً له، و ربط بين هذا الرفض و بين رفض تعرض له الكاتب السورى الكبير حنا مينا، و عبر عنه في مقال بعنوان (عندما رفضني الحلاقون أجيراً) سرد فيه جانباً من سيرته الذاتية عندما ضاقت به الظروف و الأحوال في سوريا فأغلق محل الحلاقة في اللاذقية و سافر إلى لبنان باحثاً عن عمل لدى أحد الحلاقين مقابل رغيف خبز فقط، إلا أنهم رفضوه دون إبداء أسباب و دون إجراء اختبار؛ فضاقت به الدنيا، إلا أن القدر كان يخبئ له حفاوة و تكريماً و تقديراً في مجال الصحافة و الأدب... حتى أصبح الآن من كبار الكتاب و المفكرين على مستوى الوطن العربى...
رب ضارة نافعة:
و ذكر الأديب مجدي شلبي أنه علق تعليقاً ساخراً على هذا المقال حين نشره منذ سنوات أربع في جريدة الرياض السعودية قال فيه: العلاقة ما زالت قائمة بين مهنة الماضي و مهنة الحاضر: "بين الحلاقة و التحليق في سماء الفكر و الإبداع/ بين الشَعر و الشِِعر/ بين القص و القصة (فأنت في الحالتين قاص بارع)/ كما أن مهنتي الحلاقة و الأدب يجمعهما صالون!"
و قال إن الرسالة التي وصلته من الكاتب الكبير حنا مينا نصها: "يتعرض الإنسان في حياته لكثير من المواقف التي يتحسر فيها على ما فاته، لكن لو أمعن النظر لوجد الخير يكمن فيما اعتقد بشره، اتساقاً مع القول الحكيم (رب ضارة نافعة)"
لماذا تكتب:
وقبل أن ينتقل إلى الكتابة الساخرة موضوع المحاضرة أشار إلى الكتابة بوجه عام... فوجه سؤالاً هو عنوان مقالة نُشرت له على شبكة الإعلام العربية (محيط) يوم 25/8/2008 و لاقت ردود أفعال عديدة من القراء، و كان العنوان: لماذا تكتب؟... و استعرض جانباً من إجابات بعض الكتاب و المفكرين العرب والأجانب على نحو:
* رفائيل ألبرتي الإسباني: (أنا كاتب من أجل السلام)
* إيزاك أزيموف الأمريكي: (الكتابة عندي أشبه بالتنفس)
* جونتر جراس الألماني: (أكتب لأني لا أملك أن أعمل عملأ آخر)
* الأديب الإيطالى ألبرتو مورافيا: (أكتب حتى أفهم سر اندفاعي إلى الكتابة)
* الأديب النمساوي بيتر هانكه: (ربما أجد الجواب غدا) !
* الأديب الإسباني خوان جوتيسيلو: (لو عرفت الجواب ما كتبت!)
* الأديب الأمريكي أرسكين كالدويل: (كتبت إشباعأ لرغبتي في إبداع شخوص و مواقف لم يكن لها وجود)
* الأديبة الفرنسية فرانسواز ساجان: (أكتب لأنني أعشق الكتابة)
* الأديب التشيكي ياروسلاف سايفرت: (أكتب... ربما تعبيرا عن الرغبة الكامنة في كل إنسان في أن يخلف وراءه أثرا)
* الأديب البرازيلي جورج أمادو: (أكتب لكي يقرأني الآخرون، ولكي أؤثر فيهم، ومن ثم استطيع المشاركة في تغيير واقع بلادي وحمل راية الأمل والكفاح)
* الأديب الصيني باجين: (أمارس الأدب لكي أغير حياتي و بيئتي و عالمي الفكري)
* الأديب الكولومبي جابريل ماركيز: (أكتب لكي أنال المزيد من حب أصدقائي)
* لورنس داريل: (أكتب لأراقب ذاتي)
* وكارلوس فونيتس: (لأن الكتابة هي إحدى الأشياء النادرة التي أجيد ممارستها)
* مارغريت دوراس: (لم أعرف أبداً ما هو أمر هذا النوع الطريف من الأعمال لكني اعتقد انه سوف يتوقف في عام 2027.سينتهي فجأة ولن يكتب أحد بعدها أبداً)!
* جورج سيمنون: (أكتب لأني حين لا أفعل أشعر بالضيق)
* دستويفسكي: ( كنت، و ما زلت أعتبر مهنة الكتابة من أنبل و أنفع المهن، و أنني لمقتنع تماماً من نفعي في هذا المجال، فلربما استطعت أن ألفت الانتباه مجدداً و الحصول على اسم جديد لامع يضمن وجودي)
* الكاتب سلمان رشدي: (أكتب لأني أحب أن ابتدع... أحب أن أكذب).
* توفيق الحكيم: (أنا لا أكتب إلا لهدف واحد هو دفع القارئ للتفكير... و بعد مئة كتاب... اعتقد أن أعمالي غير مجدية)!
* نجيب محفوظ: (رغبتي في أن أكون مهماً، و في أن أظهر للآخر المبادئ التي يتم العمل عليها خلال بحث ما، و في أن أكون مقروءاً، لكني ما عدت أميز بين الكتابة و الحياة)
* يوسف ادريس: (أكتب لأني أحيا، و أستمر في الكتابة لأني أطمح لحياة أفضل)
* الطيب صالح: (أجدني ميالاً إلى القول أني لا أعرف بالضبط لماذا أكتب، طالما اني أرغب فعلاً وأبداً بأن أصبح كاتباً... فأنا أنتمي لثقافة ممارسة و احترام الكتابة في تقاليدها)
* الشاعر محمود درويش: ( ربما لأنني متورط في الكتابة بإيقاع لم يسمح لي بالتساؤل... أحياناً ـكتب لألعب... لكن لماذا أكتب... ربما لأنه لم تعد لي هوية أخرى... لم تعد لي محبة أخرى و حرية أخرى و لا وطن آخر)
و قبل أن يطلب من الحضور أن يجيبوا فرداً فرداً على هذا السؤال استعرض جانباً من تعليقات القراء على هذا المقال:
تعليقات:
كاتبة أردنية: لن أخجل من ذكر الحقيقة و هى أن ممارسة الكتابة عندي كممارسة الجنس ـ تمتع و إمتاع ـ فإذا لم أشعر بمتعة أثناء الكتابة توقفت فوراً و إذا شعرت أن ما أكتبه لن يحقق متعة لدى المتلقي توقفت أيضاً ـ لأنه في هذه الحالة أو تلك تصبح كتاباتى بلا فائدة.
عبير السرحان: أنا أكتب إذاً أنا موجودة!
سامى صلاح: أنا أكتب لأنني لست متحدثاً لبقاً
مروة: أكتب لأنني أعشق الابتكار
محمد نور (سوريا): أنا أكتب لأنني عاشق لفن التمثيل فالكتابة تتيح له تقمص الأبعاد الإنسانية للشخصيات التي أتناولها في عملي الأدبي!
شروق من مصر: أنا نحلة تتغذى على رحيق الأزهار قراءة ثم تخرجه عسلا طيبا كتابة.
صالح سعد من الأردن: الكتابة في نظري هي نوع من أنواع النفخ فإما أن يصدر عنه صوت تطرب له النفس أو ينبه الغافل و يوجه التائه و يستنهض الهمة و يقوى العزيمة و إما أن يكون نفخاً فى قربة مقطوعة!
مديح الغامدى من السعودية: لم أسأل نفسي من قبل هذا السؤال لأنه سؤال ساذج يضارع السؤال: لماذا تتنفس؟
عزة جمال من مصر: أنا أكتب ليشاركني الآخرين أفراحي وأتراحي
محب بادروس من اليونان: أكتب لأني أبحث عن من يعجب بكلماتي كمقدمة للإعجاب بشخصى البغيض!
أبو سريع الوسطانى مصر: أكتب لأصبح كاتبا مشهورا و أطلع عقدي كلها على الكتاب المغمورين!
كلام ساخر: الكتابة نوع من رواقة البال فالكتاب عالم فاضيه ما وراهمش غير الكلام اللي لا يودى و لا يجيب عمالين ياخدوا من البحر يحطوا في الترعة لحد مايتهد حيلهم و حيلنا معاهم؛ لامية البحر خلصت و لا الترعة اتملت و عجبى!.
لماذا يكتب أدباء المنصورة:
ثم سجل إجابات الأدباء الذين حضروا تلك الأمسية و كانت كما يلى:
* الشاعر أحمد حمام: أكتب لنفسى! فإذا لم تسمعني نفسي حاولت الكتابة للناس فلربما يصلهم كلامي الصادر من قلبي لأن ما يصدر من القلب يصل إلى القلب مباشرة
* الشاعرة ولاء عزت: جبن؛ عندما أجبن أكتب!
* الصحفية مريم العايق: عملية تنفيس، أكتب للتنفيس عن حالة غضب أو حزن
* الأديب محمد علاء: للتغيير، أكتب لتغيير وجه الحياة
* الشاعرة عبير محمود: حلم بالمدينة الفاضلة، حلم بأن تتحول حياتنا إلى حياة في المدينة الفاضلة
* الشاعرة الدكتورة أنوار ابراهيم: الكتابة رسالة، الكتابة رسالة تمنحني الأمل في الحياة فبدون الكتابة تحل الكآبة.
* الشاعر أحمد عبد الوكيل: لثلاثة أسباب أنا أكتب: (1) لأجيب على نفسي أنا عايش ليه (2) نوع من أنواع أضعف الإيمان (3) عندى حلم إن العالم كله يسمعني، و كتاباتي تغير العالم كله
* الأديبة حنان شاهين: أرفض السؤال! كأنك تسألنى لماذا تأكلين أو لماذا تتنفسين ـ الكتابة داخلي
* الأديب عبد الحكيم مندور: الكتابة قضية و رسالة، عندما يتوافق إيقاع الكاتب مع إيقاع و نبض الحياة يكتب، لأن الكتابة رسالة
* الأديب إبراهيم السيد: عملية إخراج! أكتب لإخراج ما بداخلى من قضايا
* الأديب إسلام فؤاد: استغلال، أنا أكتب لأستغل هبة منحها الله لي
* الأديب محمد رضا: أكتب لأعرف نفسي
* الشاعر أحمد الحديدى: أنا أكتب للاستمتاع و التنفيس
* الشاعر المهندس حمدى مناع: الكتابة عندي استجابة لحالة شعورية
* الأديب محمد عبد الرحمن: أكتب لأن الكتابة، هي كوكبي الخاص الذي أشكله كما أريد
* الأديب أحمد وزة: أكتب لشيء واحد هو التعبير عن ذاتي
* الشاعر مصطفى مسلم: الكتابة حياة، أنا أكتب لأن الكتابة حياة بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى
* الشاعر مصباح المهدى: لماذا أكتب؟! لأن الكتابة في نظري بديل عن الانتحار... هى حرب على كل الخصوم الذين لا أقوى عليهم
لماذا يكتب الأديب مجدي شلبي:
و طلب منه أحد الحضور أن يجيب هو الآخر عن السؤال ذاته فقال الأديب مجدى شلبى: "أكتب لأثبت أنني ما زلت على قيد الحياة/ أنا أكتب لأن الورقة هي الوحيدة التي تسمعني بإنصات، و تنقل مشاعري بأمانة/ أفضل الكتابة لأنها تتيح لي تعديل الصياغة و الحذف و الإضافة أما النطق باللسان فلا يتيح لنا ذلك"
معنى الأدب:
و حرصاً منه على التمييز بين الكتابة و الأدب، أوضح: "أن الكتابة ليست بالضرورة أن تكون أدباً؛ ذلك لأن الأدب في اللغة هو ما يتأدب به الأديب من الناس، و سمى أدباً لأنه يأدب الناس إلى المحامد و ينهاهم عن المقابح... و أصل الأدب الدعاء، و منه مدعاة و مأدبة... و إذا كانت كلمة مأدبة مادية هي كل طعام صنع لدعوة، فإن ما ينتجه الأدباء من إبداعاتهم هي مآدب فكرية... وعليه يمكن أن نطلق على الأديب أديباً أو آدباً: أى داعياً إلى مأدبة... كذلك هناك مآدب روحية، فقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه و سلم (القرآن مأدبة الله في الأرض فتعلموا من مأدبته)
و ذكر أن من معانى الأدب: الأمر العجيب (جاء بأمر أدب)، كما أن الأدب: حسن التناول و الظرف"
و عند كلمة (الظرف) أشار إلى معناها اللغوى: "حسن العبارة و قيل الحذق و المهارة؛ فالظريف هو البليغ الجيد الكلام، الذي يملك القدرة على التعبير و الفصاحة في القول... و ذكر قول عمر بن الخطاب (إذا كان اللص ظريفاً لا يقطع) و قال أن هذا معناه إذا كان بليغاً جيد الكلام احتج عن نفسه بما يُسقط عنه الحد!"
و ذكر: "إن المتهم يلجأ للمحامي المفوه للدفاع عنه، و وجه سؤالاً ساخراً للحضور: ماذا لو كتب أحد المحامين على لافتة مكتبة (المحامى الظريف فلان الفلاني)؟! و أجاب: لا شك أن الناس سيستهزئون بهذا الوصف!"
و استدرك قائلاً: "إننا نجد في حياتنا المحامي المفوه هو الذي يستطيع دفع التهمة عن المظلوم بالحجة و الدليل و العبارة البليغة و المنطق السليم... لهذا نجد كثير من رجال القانون يصوغون عرائضهم و مذكرات دفاعهم و أحكامهم القضائية صياغة أدبية رائعة... كذلك الأديب يدافع عن قضاياه و قضايا وطنه مستخدماً أسلوبه الخاص إما جاداَ و إما ساخراً"
العلاقة بين الكتابة العادية و الكتابة الساخرة:
و قال: "و ما دمنا بصدد الحديث عن الأدب الساخر تحديداً وجب علينا أن نوضح أن الكتابة الساخرة مثل الكتابة العادية تعني بالتمرد على الواقع و ثورة فكرية ضد البديهيات التقليدية سواء كانت سياسة أم اجتماعية أو اقتصادية... هي مثلها مثل الكتابة العادية تشبه العكاز الذي يتكئ عليه الكاتب الحر؛ ليقوم اعوجاجاً في أعماق نفسه، أو في غيره أو في مجتمعه، و تعرف الكتابة الساخرة باختصار شديد أنها: تعكس صورة الواقع بجماله و قبحه، و لكن بأسلوب تهكمي مختلف عن الكتابة العادية... و الكاتب الساخر لا يملك وسيلة للتعبير عن معاناته إلا بالكلمات الساخرة، و عليه فقد عرف علماء النفس الكتابة الساخرة بأنها: سلاح ذاتي يستخدمه الكاتب للدفاع عن جبهته الداخلية ضد القهر و الذل و الحزن العميق الذي ينتابه!... أو بمعنى أوضح الكتابة الساخرة: مانعة صواعق ضد الانهيار النفسى، إذ أن السخرية رغم هذا الامتلاء الظاهر بالمرح و الضحك و البشاشة... إلا أنها تخفي خلفها أنهاراً من الدموع و الألم!"
هل الأدب الساخر جنس أدبى مستقل:
ثم قال :"هناك سؤال يراود البعض: هل الأدب الساخر جنس أدبي مستقل؟ بمعنى آخر إذا كانت الأجناس الأدبية : شعر، قصة، رواية، مسرحية، مقال، مقامة  نقد أدبى... إلخ؛ فهل الأدب الساخر جنس مستقل عن هذه الأجناس؟... الحقيقة أن الأدب الساخر ليس جنساً أدبياً مستقلاً، لكنه أسلوب مختلف في التناول فقط، فهناك الشعر الساخر، و الرواية الساخرة، و القصة الساخرة، والمقال الساخر... إلخ"
مقال مقامي ساخر:
و أشار إلى ابتداعه جنساً أدبياً مزج فيه بين المقال بقواعده المرعية و طرافة المقامة و استخدام المحسنات البديعية على نحو (مقال مقامى ساخر) وهو جنس أدبي ابتكره و قال: "صدر لى في هذا الجنس الفريد أربعة كتب هي على الترتيب: لهذا وجب التنبيه ـ كلام والسلام ـ الرقص على سلم الصحافة ـ زواج على صفيح ساخن"
أدب التوقيعات الساخرة:
وذكر أن هناك جنساً أدبياً لا يحظى باهتمام كثير من الأدباء، و أعترف أنه لوقت قريب لم يكن يعلم أن ما يكتبه حينها هو توقيعات أدبية، حيث عرض بعض ما كتبه على الناقد و الشاعر الكبير أمين مرسى، فأبلغه أن هذا جنس من الأجناس الأدبية اسمه أدب توقيعات... مما شجعه على إصدار كتابين في التوقيعات الأدبية هما "كلمة في سرك و أسئلة ساذجة"
و سرد جانباً من هذه التوقيعات الساخرة :
ـ المعلم الذي يرفع العصا في المدرسة، تُرفع عليه في المنزل!
ـ يتسع الصدر بغير المنفاخ!
ـ البعض يدخل إلى الكتاب من باب (لكل أجل كتاب)!
ـ عندما يتعطل الإسعاف، يفقد صفته!
ـ (العجلة من الشيطان) و التوانى منه أيضاً!
ـ عقارب الزمن هي الأخرى تلدغ!
ـ من حق المجنون أن يتباهى بضرس عقله السليم!
ـ أعرف أخرساً صرخته بليغة!
ـ لم يعجبه ما رآه؛ فكسر المرآة و لم يصلح نفسه!
ـ حلاوة الدنيا وراء انتشار مرض السكر!
ـ طبيب العظام يكشف على الصعاليك أيضاً!
ـ الطبيب حتماً سيريحك إما من الألم، وإما من الدنيا!
ـ دود المش يختنق من حلاوة العسل!
ـ إذا لم تتحاور الرؤوس؛ تناطحت!
ـ الفقير يمد يده، والغني يمدها أيضاً!
ـ ينحسر الثوب كلما ارتفع سعره!
ـ الصرف الصحي ليس صحياً بالمرة!
ـ من يصارع الأسعار الحرة تصرعه!
ـ لا تتم تحلية المياة بإضافة السكر إليها!
ـ من حق المجانين أن يؤمنوا على جنونهم ضد العقل، إذا صح المثل (المجانين فى نعيم)
ـ العمر فارس مغوار لا يعرف إلا التقدم!
ـ بسبب الفساد تحول السوق إلى سوء!
ـ لو نظرتم إلى زحام الأسواق لأدركتم أن البشر يسيرون على بطونهم!
ـ عبور المانش بالطائرة أيسر!
ـ (عصر المرأة) لا يعنى عصرها حتى آخر قطرة!
ـ طلبت منه الوصال فأرسل لها حبلاً!
ـ كنوز بعضهن لا تستحق الحماية!
ـ عندما ترفل المرأة في ثوب الحكمة؛ يخرج الرجل من ثوبه!
ـ (لا راحة فى الدنيا) فهل ضمنت الراحة في غيرها!
ـ كثرة الفنادق و المطاعم دليل على بخل البشر!
ـ بعض الطعام طُعم لاصطياد الصحة!
ـ كان في البطن عصفور تحول إلى كلب مسعور!
ـ تعيس الحظ لو صادف خيراً اعتقد أنها خدعة!
ـ الاقتران بامرأة لا يعني تركيب قرون!
ـ الكسول يقوم من نومه متثائباً!
ـ المرأة كالشمس تدفئ و قد تحرق أيضاً!
ـ زاد من قوة المرض ضعف البشر!
أخيراً و ليس آخراً:
ـ الكلام دواء مر جرعته الزائدة تضر!
و ذكر: "أن التوقيع الأدبى يحتاج إلى حضور الذهن و توقد الذكاء و إمعان النظر و حيوية الفكر و تكثيف العبارة فإذا كان التوقيع طريفاً أضحى مستملحاً" وعند كلمة مستملح توقف قليلاً ليوضح أن كلمة مليح تحمل المعنى وضده، "فمليح تحمل معنى الوسامة و الجمال فنقول رجلا مليحأ و فتاة مليحة أو عبارة مليحة... لكن (ماء مليح) يعنى غير عذب، وامتلح الرجل : خلط كذباً بحق" 
"كما أن ملاح تعنى الذى يعمل فى مهنة ملاحة السفن و البواخر، والملاح تعنى : بائع الملح أيضاً..." و هنا أورد من ذكريات الطفولة حكاية ابن بائع الملح، حيث اعتاد المعلمون في المدرسة الابتدائية أن يسألوا التلاميذ عن طبيعة عمل أولياء أمورهم "فما كاد هذا الزميل ينطق بمهنة أباه حتى انفجر التلاميذ في الضحك عليه مما أخجله و جعله يترك الفصل و المدرسة و يذهب ليتعلم السواقة، و بعد سنوات يصبح الآن مليونيراً!..."
"لو كان قال لمعلمه أبى يعمل ملاحاً لكان صادقاً، و لحرم نفسه من النعمة التى أضحى عليها الآن!"
السخرية في ميزان النقد الأدبي:
و قبل أن يستعرض نماذج من الأدب الساخر (شعر/ قصة/ مقال) وجه عتاباً للنقاد الذين ـ بحسب وصفه ـ "ظلموا الأدب الساخر" و أضاف موضحاً: "من عجب أن السخرية لا تزال تدرس تحت مظلة الهجاء تارة أو الفكاهة و فن الإضحاك تارة أخرى... فمن الباحثين العرب الذين يتناولون السخرية ضمن الهجاء: د. شوقي ضيف في دراساته الأدبية، مثل: تاريخ الأدب العربي ، و الدكتور محمد محمد حسين في كتابه: الهجاء و الهجّاءون، و إليا الحاوي في كتابه: فن الهجاء و تطوره عند العرب و د. عباس بيومي عجلان: الهجاء الجاهلي: صوره و أساليبه الفنية، و فاروق خورشيد: عالم الأدب الشعبي... و من غير العرب: أ.د. آرثر بولارد في بحثه (الهجاء) المنشور في كتاب (المصطلح النقدي ـ ترجمة د. عبد الواحد لؤلؤة)"
"بينما يذهب كل من المازني ود. شوقى المعاملي ود. محمد عبدالحكيم محمد إلى: أن السخرية تندرج تحت مظلة الفكاهة (جحا الضاحك المضحك). أما د. أحمد الحوفي فبرغم وقوفه على الجذر اللغوي لكل من الفكاهة و السخرية إلا أنه في كتابه (الفكاهة في الأدب العربى) يدرس الغفلة و التغافل و التناقض و التخلص الفكه و الدعابة و المزاح و الهزل و التهكم و السخرية و اللعب المعنوي و اللعب اللفظى، على أن كلاً منها فكاهة؛ لأنه يريد بالفكاهة كل باعث على الضحك و لو اختلف الاسم، و قد سار في الاتجاه نفسه عدد من الباحثين المتأخرين مثل: فتحي محمد معوض أبو عيسى في كتابه: (الفكاهة في الأدب العربى إلى نهاية القرن الثالث الهجرى) و د. محمد بركات حمدي أبو علي في كتابه: (سخرية الجاحظ من بخلائه) و السيد عبدالحليم محمد حسين في كتابه (السخرية في أدب الجاحظ) و الدكتور عبدالعزيز شرف في كتابيه (الأدب الفكاهى) و (الفكاهة عند نجيب محفوظ) و الأستاذ علي بركات في (يوميات الثقافة العربية) و علي أدهم في (لماذا يشقى الإنسان)"
الأدب الساخر مظلوم:
ثم قال: " الحق أنني أرى أن النظريات التي تعرضت للأدب الساخر غير دقيقة؛ فالأدب الساخر شيء و أدب الهجاء شيء آخر، و أدب الفكاهة شيء ثالث: فالهجاء تهكم يحمل معنى العداء الشخصي و الانتقام اللفظي (تصفية حسابات شخصية لا يحمل قضية عامة أو هماً إنسانياً)، كما أن أدب الفكاهة (الضحك) مهمته الوحيدة الإضحاك، أما الأدب الساخر فهو الذي يجعلك تضحك ضحكاً أشبه بالبكاء، يجعلك بعد أن تضحك تتأمل فتتألم!"
"فالكاتب الفكاهي لا يحتاج إلا إلى روح مرحة، أما الكاتب الساخر فنفسه مثقلة بالهموم و القضايا و المآسى والأحزان، إلا أنه يحول الألم إلى أمل، و الحزن إلى بشاشة وجه، و الكبت إلى انطلاق"
"السخرية ليست هدفاً بقدر ما هي تعبير عن الآلام و الأحلام و حزن الناس و الأحداث، و أمور الحياة اليومية و هموم المجتمع على شكل ابتسامات و مفارقات... و مسوغ الكاتب الساخر هو أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا حزيناً طول الوقت... و لكل كاتب منهجة و طريقتة التي يتميز بها عن غيره"
و ذكر أن ما أدهشه حقاً هو مقارنة الكاتب الكبير على سالم بين الأدب الساخر و الأدب الفكاهى الضاحك على نحو ما ورد عنه: " السخرية: هي إطلاق النار على الهدف للقضاء عليه، أما الضحك فهو تجريد الهدف من سلاحه لإغرائه على الانضمام لموكب العدل و الحق و الجمال، السخرية هي وظيفة الثعالب و الذئاب، أما الضحك فهو من شيم الأسود" و علل ذلك بأنه ربما أتى في خضم دفاعه عن مسرحية مدرسة المشاغبين التي واجهت في بداية عرضها هجوماً...
آراء حول الأدب الساخر:
ثم استعرض آراء بعض الكتاب الآخرين عن الأدب الساخر منهم:
القاص و الروائى الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني: "إن السخرية ليست تنكيتاً ساذجاً على مظاهر الأشياء، ولكنها تشبه نوعا خاصاً من التحليل العميق. إن الفارق بين النكتجي والكاتب الساخر يشابه الفارق بين الحنطور والطائرة، وإذا لم يكن للكاتب الساخر نظرية فكرية فإنه يصبح مهرجاً".
الكاتب السوري نجم الدين السمان: "إذا كانت السخرية لمجرد إضحاك القارئ، فهناك: النكتة الشفوية، التي تقوم بهذا الفعل الانساني على أكمل وجه، وبأسرع مايكون الإيصال ويكون التكثيف فى السخرية الشفوية.. وليدة حاجة البشر إليها، وليدة ساعتها، وقد تنقضي بعد انقضاء ضحكاتها".
يضيف السمان "إن السخرية موقف من العالم، التقاط لأبرز مفارقاته، هجاء لنقائضه، يدمي الروح في اللحظة ذاتها التي يضحك فيها الكائن البشري على ضعفه وتخاذله وخساسته وابتذاله، قبل أن يضحك بسببها على الآخرين".
"فالأدب الساخر يحصن الروح الإنسانية عن صمتها وخوفها وترددها في التعبير والتصريح وإثارة الاسئلة، حتى لكأنه آخر ملاذات الكائن من اغتيال كينونته، بل.. نافذته على قهقهة مديدة مغمسة بالألم تسُخر لتهجو الطغاة والجلادين وكتبة التقارير وقتلة الحب والجمال وضحكات الأمل"
الكاتب والشاعر السورى شوقي بغدادي: " إن ازدهار أدب السخرية مرتبط على ما يبدو بأجواء الكتابة المنفتحة على التنوع والاختلاف وحرية الإبداع وأنه كلما ضاقت هذه المساحة لسبب او لآخر سادت الكتابةالجادة أو تحول أدب السخرية الى ما سميناه سخرية سوداء. نحن بحاجة شديدة الى أن نضحك كما هي حاجتنا الى أن نبكي ونرقص ونلعب ونكافح ونقاوم وهذه الأنشطة المتنوعة لا تزدهر في اعتقادي في مجموعها الا بأجواء الحريات العامة والتحرر من التزمت والتعصب وهو ما نحتاج اليه الآن، قليل من الضحك في هذا المناخ العربي البائس المعتم".
" السخرية هي صمام الأمان الذي يمنع طنجرة الضغط التي أحملها فوق كتفي من الانفجار! هي وسيلتي كانسان ضعيف للتوازن في هذاالعالم ، هي فن (الخيمياء) الذي يحول معادن الحياة اليومية الخسيسة الى معادن نفيسة! بالسخرية يتحول الالم الى ضوء ، والعجز الى افكار".
يقول الدكتور نشأت العنانى: "الأدب الساخر يعنى بتقديم نظرة شاملة للحياة .. من وجهة نظر فكرية عالية للغاية, على أن يقدم هذا بصورة كوميدية مقبولة لدى المجتمع؛ فليس الأدب الساخر أدباً للإضحاك, أو للتنكيت, و إنما هو أدب محترم للغاية, يمكن وصف كاتبه بالحكيم, أو بالطبيب... ذلك بأن الأديب الساخر هو كاتب من نوع خاص, و من طراز غير مألوف. نوع يتميز بالملاحظة, و الفكر و خفة الدم التي يصعب أن تتوافر لدى الكثيرين..."
الكاتب الصحفى الأردنى يوسف غيشان : "كل ما أعرفه أن السخرية والضحك عمل جماعي وأنه عمل يحتاج للآخر بشكل جوهري، إنه عمل اجتماعي بالضرورة، والآخر هو الأساس في التعاطي مع السخرية. قد أميل قليلاً إلى تصديق علماءالنفس الذين يدّعون بأن السخرية بشكل عام هي سلاح فردي يستخدمه الفرد للدفاع عن جبهته الداخلية ضد الخواء والجنون غير المطبق، وهي مانعة صواعق ضد الإنهيار النفسي،إذ بجسد منهك وبقلم رديء الصنع تستطيع إخفاء هشاشتك الداخلية أمام الآخرين سواء كانوا أفرادا أم جماعات. أم قوى سائدة تتحكم في مقدرات المجتمع وقراراته المصيرية".
"إن هدف الساخر هو تعرية القبح وليس امتداح الجمال ، هدفه نقد الحكومات وليس التغزل بلغاليغها، حتى لوكانت تلك اللغاليغ جميلة ومدهونة جيدا بالمساحيق السادّة للمسامات والتجعدات والضمائر. قد تكون السخرية العربية امتدادا طبيعيا ومطورا للهجاء العربي الذي انتقل من هجو الفرد إلى هجو الجماعات، وكان الرسول الكريم يحث شاعره حسان بن ثابت على هجو الأعداء وليس على نظم المدائح في زهدأو شجاعة أو عمق ايمان الصحابة".
ويضيف غيشان: "الكاتب الساخر محظوظ جداً، حتى لو كان كاتبا ساخرا ضعيفا مثلاً، يلقى عددا كبيرا من القراء أكثر من الكتاب الجادين، حتى لو كان بالمادة التي يطرحها ضعفاً، وذلك لأن هذه الكتابة شعبية، بها تمرد على اللغة والقوالب اللفظية وأحيانا على المفاهيم والقيم السائدة .... ومع ذلك فالكتاب الساخرين معدودين على الأصابع ، وبالمجمل الكتاب الساخرين بالعالم نادرين وليس فقط بالعالم العربي ".
"لا بد للكاتب الساخر من وجود حس للأشياء وقدرة على التمرد والتجديد واندهاش دائم وحس نقدي وثقافة كبيرة ومتنوعة".
الكاتب الأردنى أحمد الزعبي: "الكتابة الساخرة هي أعرق أسلحة البشر وألطفها فهي سلاح الفقير على الغني والضعيف على القوي وسلاح المظلوم على الظالم. النص الساخر هو الخلطة السرية بين اللغة والمفردة والحكايةالشعبية واصطياد المفارقة في المشهد والخبر والحدوته. سواء أكان هذا النص نكته شفوية أو نص ساخر مكتوب".
"الأدب الساخر هو الأقرب للناس لأنه ينقل المشهد من قاع المدينة ومن المعاناة الفردية للأشخاص. الكاتب الساخر يقوم بعمل المغناطيس عندما يلتقط الاحداث البسيطة،والمشاهد غير الواضحة للعالم التي ينقلها بحرفية اكثر، الكاتب الساخر يتقاطع أيضا مع رسام الكاريكاتير بنقل المشهد بعموميته وتفاصيله الدقيقة".
"الفن الساخر فن صعب، يحتاج إلى موهبة بالدرجة الاولى، ثم تنميها المهارات، لكنها بالدرجة الأولى موهبة، فيجب أن تكون لديك بوادر كتابة ساخرة، بالنسبة لي أنا بدأت كمقلد، منذ الصغر كنت أرى الكبار في السن وأقوم بتقليدهم، لكن الأدب الساخر يكون أحيانا نتيجة لمعاناة،سواء أكانت معاناة عاطفية أو اجتماعية أو غيرها فتعبر عنها أنت بسخريتك".
"الأدب الساخر يضحكنا أحيانا لكنه ما يلبث أن يحزننا، فالسخرية الحزينة هي أشدها مرارة، ولكني أعود للتعريف، فالأدب الساخر هو أعرق الأسلحة وألطفها، لأنها تعبر عن الواقع المرير بالضحكة وأحيانا بالضحكة المرة،الناتجة عن المعاناة والإحباط".
الكاتب الصحفى الساخر أحمد أبو خليل: "الأدب الساخر هو أسلوب من أساليب التعبير مثلها مثل أي شكل آخر من حيث فائدته لمن يستمع أو يقرأ، تقدم المعرفة وتقدم المفارقة ولكن ما يميزها بالأساس أنها تقدم الضحكة والابتسامة فيشترط في الكتابة الساخرة أن تثير مفارقة تدعو الى الضحك"
وما يزال الكُّتاب الساخرون يزدادون وفي الأردن "اصبح هناك كتاب ساخرين في كل جريدة يعلقون على الأحداث الجارية. لكن بعض المداخل لها قصة معينة تحتمل الديمومة وبالتالي تتحول الى قطعة أدبية مع أنها كتبت في الأصل مقالة، لكن إذا كانت تحمل صفة التهكم من قضية أو موقف إنساني عام فإنها تحمل الديمومية وتقترب من الأدب. لكن هناك مثلا محمد طمليه، يوسف غيشان يكتبان أدب ساخر، بينما أنا أكتب مقالة ساخرة قد يكون فيها مقطع إجتماعي فيه ملامح أدبية".
"الكتابة الساخرة مستوى آخر من التهكم والسخرية تختلف عن النكته لأنها تحتمل موقف اشمل لأنها تحكي عن كشف مفارقة وما هو غير رسمي من الظواهر بحياة الإنسان والمجتمع أن يكون هناك مشهد عام تقليدي يراه الناس طبيعي ولكن إذا نظرنا إليه من زاوية أخرى مختلفة حقيقية نتحول حينها الى السخرية".
أهمية الكتابة الساخرة:
و ذكر الأديب مجدى شلبى "أن الكتابة الساخرة أضحت عنصراً هاماً و ضرورياً لاجتذاب قراء الصحف و زيادة أرقام توزيعها حتى أصبحنا نرى في كل جريدة أو مجلة على الأقل كاتب أو كاتبين ساخرين..."
و من أسماء الكتاب الساخرين:
أحمد رجب و محمود السعدنى و يوسف معاطى من مصر/ محمد الماغوط، و زكريا تامر و شريف الراس من سوريا/ إميل حبيبي و محمود شقير من فلسطين/ و من السعودية محمد السحيمى و أحمد قنديل و ماجد بن رائف/ و من الأردن محمد طمليه، يوسف غيشان، ابراهيم جابر، أحمد أبوخليل، رسمي أبو علي، فخري قعوار، أحمد الزعبى، عبدالهادي المجالى و الراحلين مؤنس الرزاز و لطفى عثمان"
نماذج من الشعر (الساخر ـ الهجاء ـ الفكاهى "الضاحك"):
ثم استعرض نموذجين من الشعر الانجليزي أولهما ساخر و الثاني فكاهى:
I wrote your name on sand, it got washed I wrote your name in air, it was blown away,
then I wrote your name on my heart and I got a heart attack
كتبت اسمك على الرمال فتم غسلها
كتبت اسمك في الهواء فكان في مهب بعيدا
ثم... كتبت اسمك على قلبي فحصلت نوبة قلبية
The rain makes all things beautiful
The grass and flowers too
If rain makes all things beautiful
Why doesn't it rain on you?
المطر يجعل كل الأشياء الجميلة
العشب و الزهور أيضا
إذا كان المطر يجعل كل الأشياء الجميلة
لماذا لا تمطر عليك؟
شاعر الأطلال كان أحد ظرفاء عصره:
موضحاً الفارق بين الشعر الساخر و الشعر الفكاهى (الضاحك) و شعر الهجاء مستشهداً بنماذج من أشعار الدكتور/ ابراهيم ناجي مؤكداً أنه كان أحد ظرفاء عصره و مشيراً إلى دراسة كان قد أعدها عنه منذ سنوات و منشورة بموقعه و بمواقع أخرى على الأنترنت بعنوان (شاعر الأطلال كان أحد ظرفاء عصره)
ثم عرض بعض الأبيات الفكاهية الضاحكة منها ما قاله عندما تصادف جلوسه إلى جوار فتاة حسناء و بدت عليه السعادة لذلك، و أراد أن يكلمها، لكنها أفهمته أن أمها تجلس إلى جوارها... فقال و هو يولي وجهه عنها:
وغادة تجلس في جانبي كأنها الزهرة في كمها
أبدع ما تنظر عين امرئ و خيبـة الله على أمها
و فى هجائه يقول ابراهيم ناجى:
رجلاً أرى بالله أم حشرة/ سـبحان من يعيده حشره/ يا فخر "داروين" و مذهبه/ و خلاصة النظرية القذرة
إلى أن يقول:
يا عبقرياً في شناعته / ولدتك أمك وهي معتذرة
و فى حفلة عرس بمنزل الوزير الأديب دسوقى أباظة وجه ناجي دعابة إلى صديقه الشاعر محمود غنيم صاغها شعرا فكاهياً كان منه:
بصرت به و الصحن بالصحن يلتقى/ فلم أر أبهى من غنيم وأ ظرفا/ غنيم! أخونا الديك! قدمت ذا لذا/ فهـذا لهـذا بعـد لأى تعارفا/ و ماهى إلا لحظة و تغازلا / وقد رفعا بعد السلام التكلفا/ فمال على الورك الشهى ممزقا/ ومال على الصدر النظيف منظفا...
سخرية من واقع سياسي:
أما من نماذج الشعر الساخر فقد استشهد بأبيات للشاعر مصباح المهدي يسخر فيها من الواقع السياسى يقول فيها:
كذا و عشرين ملك عربى
في كذا و عشرين سنة استبداد
يكون الناتج الفعلي
سقوط بغداد
و من نماذج الشعر الساخر من الواقع الاقتصادى اختار قصيدة (مقاطعة) و التى وردت في ديوان الشاعر على عبد العزيز (طالع يغنى) و يقول فيها:
بقرتنا بتحلب دولسى
و بنزرع شيبسي كرسيبي
هنبيع النيل و بتمنه
نفحر لك نهر البيبسي
خالينا البيتزا عشاكي
ربينا فراخ كنتاكي
وان فكر ديكك يدن
هنلفه في مرقة ماجى
الجات لو جات خد إيديها
من زيتكم نور بيتها
و ادعى لأمريكا مامتها
تعلا وربنا يديها
استعمال المفارقة فى السخرية اللاذعة:
و من قصيدة للشاعر جمعه سنجاب يسخر فيها من واقع الفلاحين فيقول في قصيدة (مين زيي) من ديوان جنس الأدب:
مين زيي مين
لإخوانى الفلاحين
بنروى في أرضنا
و احنا العطشانين
السخرية من واقع اجتماعى:
و من الأشعار الساخرة للشاعر أسامه هلال من قصيدة (كارو)
بديوان مخلوع في زمن الحب:
الحلوة عايزه دوكو
و لازمها سمكرة
إلى أن يقول
ما هو بيصرف إيرادها
ع الكيف و المسخرة
و سايب أهل بيته
م الجوع متأثرة
ملابسها دايبة خالص
م الخلف مرقعة
ما هى برده عايزة دوكو
و لازمها سمكرة
حافظ ابراهيم و هجاء ساخر!:
و من شعر الفصحى اخترت هذه الأبيات من قصيدة للشاعر حافظ ابراهيم
يرغى و يزبد بالقافات تحسبها قصف المدافع في أفق البساتينِ
من كل قاف كأن الله صورها من مارج النار تصوير الشياطين
قد خصـه الله بالقافات يعلكها و اختص سبحانـه بالكاف و النون
يغيـب عنــا الحجـا ويحضــره حينــاً فيخلــط مختـلاً بمـوزون
لا يأمن السـامع المسـكين و ثبته من كردفان إلى أعلى فلسـطين
بينا تراه ينادى النـاس في حلب إذا به يتحـدى القوم في الصـين
و لم يكـن ذاك عـن طيش و لا خبـل لكنهــا عبقريات الأسـاطين
يبيت ينســج أحلامــاً مذهبــةً تغني تفاسـيرها عن ابن سـيرين
وذكر أن هذا النص من شعر الهجاء، لكنه يعد شعراً ساخراً إذا انسحب على كل أدعياء الأدب و المتشاعرين
الشعر الفكاهي عند العقاد:
و قال: "للعقاد ديوان شعر فكاهي بعنوان (عابر سبيل) يحوي قصائد طريفة عن الحياة اليومية قصد به أن يثبت أن الشعر ممكن أن يشمل جميع المجالات" و اعتذر عن عدم تمكنه من إيراد قصيدة من هذا الديوان للاستشهاد بها...
سخرية من واقع سلوكي:
و قبل أن ينتقل إلى شاعر آخر و قصيدة ساخرة روى علاقته التي ترجع لـ 32 عاماً خلت تعرف وقتها على الشاعر عصام الغزالى من شعرة من خلال قراءته لديوان (لو نقرأ أحداق الناس) ثم التقاه بعدها ب29 عام ليهديه نسخة جديدة من ذات الديوان الذي منه اختار هذه القصيدة من الشعر الساخر:
"فى انتظار مدفع الإفطار"
من ديوان لو نقرأ أحداق الناس (من 1978)
الشيخ رتل ما تيسر
و الوحش فى الأمعاء يزأر
و عيون من جاع النهار سواعد و الهدب شمر
و وراء نافذة العيون كتيبة... جمع تجمهر
و أمامه جسد الفريسة... و استعد الآن يظفر
في بلدتي رمضان شهر الأكل و العصيانُ أكثر
في وجبتين كم الغذاء لحتفه المهضوم يثأر
الجوع قالوا من قديم كافر... و الأكل أكفر
و الآن ينطلق الآذان لنطعن الصوم الموقر
حماريات:
ثم ذكر أن الكاتب الساخر الذي يسخر من الواقع السياسي أو الواقع الاقتصادي أو الواقع الاجتماعي... قد يسخر من نفسه أيضاً و من واقع حياته و من معاناته على نحو ما فعل بعض الشعراء الذين تخصصوا في شعر أطلق عليه (الحماريات)
و عرض نموذجاً نصه:
إعـمـل خـير سمّعنى سُــكـوتـك
ياللـّّّّى داوشنـى تمـللّى بصـُوتك
رد وقــالـِِِِِِِِِِِِّّّّّّّّى مـش راح أفـوتـك ِِ
شـكـلك كــده زعـلان مهموم 
فكرك يعنى ها قاسمك قــوتك
دانـا طول عمرى مُُُطيع وخـدوم 
رغـم إن أنـا وياك مظـلوم 
وبــصـوم شهـر و باكـل يوم 
راضي و عـايـش بـالمـقسوم 
شـايـلك عـمرى مـاسـبتك يـوم
قــلـت لـه إهدا يــاشايـل هـمّـي
دااللـي غـايـظـنى وحـارق دمي
الخــلان و الأهـــل فــاتـونــي 
حـتى أخويـــا وخــالي وعـمـي
عــمّال أشكى مـاحد سـامعـني
وٍٍاللِي شـاريـته لـقيته بايعني
ما تقلبش عـليــّه و سـيـبني 
فـ اللي انا فـيه وبلاش تتعبني
قـاللى يـاصاحبى انا حاسس بيك
 خُد بـنصيحتي الله يخـلـيـك
تـطـلع بـيّـه السـوق وتـبـيعـني 
وإقـبض حـقــّي وِســْد الــديـن
قـلت لـه و الله ما فـّرط فـيـك 
لأ ما تهونشي يا أغلى شريك
بكـره ها تـُفرج وهـ خـلـّـيـك 
أحـســن كــده مـ البـنى آدمين
فيه موضوع غرضه يـرقـّــيك 
تبقى يا صاحبي انت الإنسـان 
و انا يـاصديـقى أتـبدل بيـــك
رفس وقاللــّى لأ ياحـبـيـبـي 
كــدا فـِّـتنا مـا هترجـحــش 
علـشان تبقى يا صاحبي حـمار
لازم الأوّل تصبح جـحـــش!
الماغوط ساخراً:
و قبل أن ينتقل إلى عرض قصة من الأدب الساخر ذكر أن الكاتب الراحل محمد الماغوط الشاعر و القاص و الروائى و المفكر السورى الكبير و الذى توفى منذ سنوات قليلة (2006) كان كاتباً ساخراً، و يكفي أن نشير إلى أنه مؤلف فيلم الحدود، و له العديد من المؤلفات الساخرة و العبارات أيضاً منها التوقيع (حبك كالإهانة لا ينسى) (أنا نبي لا ينقصني إلا اللحية و العكاز و الصحراء)
قصة ساخرة:
ثم عرض قصة ساخرة للكاتب الساخر دكتور/ محسن الصفار بعنوان (مين فينا الحمار)!
دخل أبو أحمد الى كوخه المتواضع المصنوع من الصفيح بعد أن ربط حماره بالعمود و جلس في حر الصيف اللاهب داخل الكوخ كي يستريح قليلاً قبل أن يخرج مجدداً للعمل نظر من الفتحة التي يفترض بها أن تكون النافذة الى الأبراج الشاهقة والفارهة في الأفق وتنهد متحسراً على حظه العاثر الذي لم يعطه من دنياه ولا حتى بيت يأويه في أيام شيخوخته.
- هاي... هلو... هلو
تعجب أبو أحمد لسماع صوت سيدة أجنبية تنادي من وراء قطعة القماش التي تقوم بدور الباب! لم يصدق أذنه وظن أنه يهذي بسبب الحر.
- هاي... هلو... هلو؟
خرج أبو أحمد مسرعاً فرأى سيدة أجنبية جميلة وأنيقة ومعها مترجم ويرافقها صحفي يصور كل شيء حواليه خاطبه المترجم.
- أنت أبو أحمد؟
- نعم أنا أي خدمة يا بيه؟
- هذه السيدة هي مدام جاكلين وهي تمثل منظمة إنسانية ذات أهداف نبيلة.- أهلاً وسهلاً مرحباً بكم.
أخذ عقل أبو أحمد يعمل بسرعة يا الله يا أبو أحمد والله يبدو أن الفرج قد بان وها قد وصلت يد المنظمات الإنسانية إليك لتنتشلك من البؤس الذي أنت فيه يا ما أنت كريم يا رب!
قاطع المترجم أفكاره و قال:
- منذ مدة و نحن ندرس بدقة أوضاع المنطقة التي تسكن فيها كي نعرف من يحتاج أن نمد له يد العون و المساعدة.
- بارك الله فيكم ربنا يعمر بيوتكم ربنا يخلي عيالكم ربنا يفرح قلوبكم.- وبعد دراسات طويلة ومعمقة للحالات المقدمة وقع إختيارنا عليك.- أشكرك يا رب ألف شكر وحمد ليك.
- وقررت الجمعية أنها توفر مأوى...
قاطعه أبو أحمد وأخذه بالاحضان وأخذ يقبله والمترجم يحاول التخلص منه :- والله انتو جدعان والله انتو أحسن ناس بجد ما يجيبها إلا خواجاتها الناس بتوعنا ولا حد سائل في فقير ولا مسكين هم ساكنين في فلل وأبراج واحنا ساكنين في العش والخرابات والصفيح ولما يحبوا يحبوا يعملو عمل خير يروحو يدو فلوسهم لبتوع اعصار كاترينا في امريكا وكان احنا ماعندناش حد محتاج بس الحمد لله الفرج جيه على ايدكم أنتم يا خواجات يا أمرا.
- سيبني اكمل يا عم أبو أحمد احنا...
قاطعه أبو أحمد مجدداً
- بس إن شاء الله يكون بيت ومش شقة علشان أنا ما أقدرش أسيب الحمار بتاعي ده برضه عشرة عمر وكنا سوا في الحلوة والمرة السنين دي كلها.- ده هو بيت القصيد.
- يعني إيه؟ تعجب أبو أحمد.
- يعني أن المنظمة الإنسانية اللي المدام بتمثلها تعني بحقوق الحيوان- برضه ما فهمتش!
- احنا شفنا انك بتربط الحمار بتاعك في الشمس من غير ما يكون فيه حاجة تحميه من الشمس.
- وبعدين؟
- علشان كده همه قرروا أنهم يبنو مأوى للحمار من الشمس والبرد.- طب وأنا؟
- إنت إيه؟
- أنا أروح فين؟ مش شايفين الخرابة اللي أنا ساكن فيها؟لا فيها باب ولا شباك ولا سقف حتى!
- و الله دي مش مشكلتنا ولا اختصاصنا احنا بنعتني بحقوق الحيوانات وبس مالناش دعوة بالبني آدمين!
أصيب أبو أحمد بالذهول والصدمة وقال بقى انتو شايلين هم الحمار وجايين وفد وصحافة ومترجم ومش شايلين همي أنا البني آدم صاحب الحمار؟! يعني احنا في عيشتنا ما حصلناش حتى الحمير؟
إلتفت أبو احمد فوجد السيدة الأجنبية تأخذ صورة تذكارية مع الحمار ثم ركبوا السيارة و ذهبوا.
رجع أبو احمد يجر أذيال الخيبة ولبس الجلابية و خرج وفك حماره و قال:- شي يا حمار وإلا أقولك تفضل يا باشا! أحسن أنا ما بقيتش عارف مين فينا اللي حمار؟! * مع الاعتذار لكل الفقراء في عالمنا العربي الكبير
مقال ساخر:
ثم قال "هذه القصة الساخرة تستدعى من الذاكرة مقالاً قصيراً ساخراً نُشر لي في مجلة روزاليوسف من 11 سنه بعنوان كابوس جاء فيه:
لم يستفزنى التقرير المترجم المنشور تحت عنوان ( يوميات الكلاب في فندق سان جين ) بل أثار حقدي و حسدي!... و وجدتني أنشد لحناً حزيناً على أوتار اليأس و قلة الرجاء (يابختهم يابختهم... ياريتنى كنت زيهم )!.
و نمت ليلتي أتقلب على الفراش كما لو كان جمراً؛ تحول الشخيـر الـذي بجـواري إلى نباح! تحسسـت الجسـد.., يا إلهـى!
لقد تغيرت تضاريسـه كثيراً؛ أضـأت الأباجـورة، صرخت منزعجـاً:
كلب! كلب!؛ إحتفظ النائم بهدوئه، بل زاد عليه ابتسامة واثقة، و قال مُرَحِباً: أهلاً بك فى فندق (سان جين)!."
مداخلات:
و ما أن انتهى الأديب مجدي شلبي من إلقاء محاضرته حتى جاءت المداخلات تستوضح مرة أخرى ما تم الإشارة إليه من اختلاف الأدب الساخر عن الأدب الضاحك عن أدب الهجاء، فضلاً عن كون الأدب الساخر ليس جنساً أدبياً مستقلاً بل هو مجرد أسلوب مختلف في تناول الأجناس الأدبية المعروفة... كما ورد أنفاً.
ختام:
و فى النهاية أشاد الشاعر الكبير/ مصباح المهدى (رئيس نادى أدب المنصورة) بالجهد الذي بذله الأديب/ مجدي شلبي في إعداده لهذه المحاضرة و توفيقه في عرض دراسته على هذا النحو المفيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نُشر هذا التقرير في موقع دنيا الرأي رابط:
(2) قرأ الكاتب الكبير الدكتور محسن الصفار هذا التقرير المنشور فى دنيا الرأى ووجه الشكر للكاتب الأديب مجدى شلبى على إشارته لقصته الواردة عاليه