محاضرة مجدي شلبي في بيت ثقافة السنبلاوين


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(مشكلات الانتماء لدى الشباب في ظل التفكك الأسري) هذا هو عنوان المحاضرة التي ألقاها الأديب مجدي شلبي صباح الأحد 7 نوفمبر 2010 في بيت ثقافة السنبلاوين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأ مجدي شلبي محاضرته بتحية الحضور الكريم، و عبر عن سعادته بتلك الزيارة لمدينة السنبلاوين، و ذكر نبذه عن أعلام و مشاهير هذا المركز و تلك المدينة و على رأسهم: العالم الدكتور فاروق الباز، و السياسى القدير الدكتور أسامه الباز، و الأستاذ الدكتور أحمد جمال الدين موسى الذي تولى رئاسة جامعة المنصورة و وزارة التربية والتعليم، و أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد، و الأديب محمد حسين هيكل، و سيدة الغناء العربى أم كلثوم، و سيدة الشاشة العربية فاتن حمامه، و الممثل الراحل الضيف أحمد، و في مجال الرياضة الكابتن محمود الخطيب،  ورضا شحاته، و عقل جاد الله...
ثم وجه تحية خاصة لمدير بيت ثقافة السنبلاوين الأستاذ/ رفعت طرباى و الأستاذ عابد الغنام، و ذكر أن وصف هذا الكيان الثقافى (ببيت) يوحي بالحميمية التي تجمع أفراد أسرة هذا البيت الثقافى العريق...
ثم بدأ في إلقاء محاضرته وسط جمع كبير من المثقفين الذين أنصتوا باهتمام و تفاعلوا مع ما تناوله من تفاصيل و قضايا اتسمت بالشفافية و الصراحة و الوضوح، تفاعلاً إيجابياً يعبر عن مدى الوعي الكبير الذي يتمتع به أبناء السنبلاوين...
و قد ذكر ملاحظة هامشية على صياغة عنوان المحاضرة فقال: "مشكلات الانتماء" تعبير غير دقيق، لأن الانتماء ليس له مشكلات، إنما المشكلات تنبع من انعدام الانتماء أو ضعفه على الأقل"، "كما أن تعبير (التفكك الأسري) أيضاً تعبير غير دقيق ـ رغم شيوع استخدامه ـ إذ كيف يوصف التفكك الذي يحمل معنى الضعف بـ(الأسري) و هو ما يحمل معنى القوة و الحصانة..." و ذكر أن العنوان الأدق و الأوفق هو: (مشكلات ضعف الانتماء لدى الشباب في ظل تفكك الأسرة)...
ثم بدأ بتعريف لفظ (انتماء) فقال: "الانتماء مصدره انتمى (انتمى فلان إلى طائفة) أي انتسب إليها، و نمى الولد إلى أبيه: انتسب إليه، و هي تحمل نفس معنى كلمة (عزا): عزوته إلى أبيه؛ أى انتسابه إليه أيضاً، لكن لفظة انتمى تحمل معنى الانتساب و الرفعة و الزيادة و الكثرة، كأن نقول (نمى المال زاده و أكثره)، نما السعر: ارتفع وغلا، انتمى الصقر: ارتفع من مكان إلى آخر..." و لفت النظر إلى معنى آخر لتلك اللفظة ورد في المعجم المحيط و هو: نمت الدواب: أى تفرقت تطلب الكلأ (سعياً وراء العشب) "أو الرزق"... و هنا ربط بين سعي الإنسان وراء الرزق خارج حدود وطنه و بين الانتماء طبقاً لما ورد، و قال: "إن هذا السعى خارج حدود الوطن يجدد الحب و الاشتياق و يدعم الارتباط و يعزز الولاء، و هو ما أكده أمير الشعراء في قصيدته (غربة و حنين) التي جاء منها البيت الشهير:
وطنى لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتني إليه في الخلد نفسي
"و هو ما يجعل البعض يؤكد على حقيقة أن جحيم الوطن، و لا جنة الغربة، و نجده مايلبث أن يعود إلى وطنه ريثما حقق ما كان يبتغيه من سفره)..."
"أما الذين استبدلوا أوطان غيرهم بأوطانهم على طريقة مقولة جحا: (وطنك فين ياجحا؛ قال: اللى فيها رزقى)؛ فهؤلاء قد تحجرت قلوبهم و تبلدت مشاعرهم تجاه أوطانهم و ذويهم و أهلهم... فيعود الواحد منهم بعد سنوات من الابتعاد عن الأهل و الوطن مرتدياً الزى الخليجى و متحدثاً بلهجة غير لهجة بلده...
يُقال لمن انتمى إلى قوم ليس منهم: وشيظ
فالوشظ: إلصاقُ شيءٍ بشيءٍ ليس منه
هؤلاء الوشاظ يشبههم هؤلاء الذين يعيشون داخل حدود الوطن لكنهم انفصلوا عن واقعهم الاجتماعى مما يعزز مشاعر عدم الانتماء المتمثلة في الكراهية و السخط و اليأس و الإحباط و الانعزال الاجتماعى و السلبية و التقاعص و الانزواء و هو ما اصطلح على تسميته (الاغتراب)"
ثم انتقل إلى الحديث عن درجات الانتماء فقال: "إن درجات الانتماء كدرجات السلم تبدأ أولاً بانتماء الانسان لنفسه: من خلال سعيه لأن يكون الأفضل، بتنمية مهاراته و قدراته و إثبات نجاحه و تفوقه، باعتبار أن هذا التجاح و التفوق وسيلة مثلى للتواصل مع غيره، و إذكاء روح المنافسة الإيجابية... ثم بالانتماء إلى أسرته (وطنه الصغير): من خلال الترابط العائلي و تنمية روح المشاركة بود و حب و تآلف و تناغم، و بداية الإحساس بالمسؤولية الجماعية... ثم بالانتماء الى المجتمع الصغير و هو المدرسة و الجامعة للطالب و الوظيفة و العمل إلى من تخطى تلك المرحلة: و يظهر ملمح هذا الانتماء جلياً في الإحساس بالفخر لانتمائك إلى مدرسة كذا أو جامعة كذا أو عملك في شركة كذا، ودفاعك عن هذا الكيان الذي تنتسب إليه، و عدم قبولك لأي مساس به، فأي انتقاص من قدره تعده انتقاصاً لقدرك و قيمتك الذاتية... ثم بالانتماء للوطن الكبير: و هو الذى يفرز حباً فياضاً للوطن، يعده الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (شعبة من شعب الإيمان)...".
و فى معرض حديثه عن الانتماء للوطن ذكر بيت الحكمة الذي يعبر عن مشاعر الانتماء: بلادي و إن جارت علي عزيزة / و أهلي وإن ضنوا علي كرام... و ذكر أن قائل هذا البيت هو الشريف قتاده أبوعزيز بن ادريس بن مطاعن بن عبدالكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبدالله أبى الكرم بن موسى الجون بن عبدالله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبى طالب رضى الله عنه و قد تولى أمارة مكه المكرمة عام 597 هـ وتوفي عام 617 هـ
و هو القائل أيضاً:
بلادى و أن هانت على عزيزة/ ولو أنني أعرى بها و أجوع
و لي كف ضِرغام أصول ببطشها / و أشري بها بين الورى و أبيع
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها / و فى بطنها للمجدبين ربيع
أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغي / خلاصا لها ؟ إني اذا لوضيع
و ما أنا إلا المسك في كل بلدة / أضوع و أما عندكم فأضيع
* الضِرغام: هو الأسد القوى الشديد، ويكنى بها عن الرجل الشجاع...
ثم الدرجة الأخيرة من درجات الانتماء هي الانتماء الى الدين: و هو لا يعني التعصب الأعمى، أو التطرف و الإرهاب البغيض، لأن الدين ذاته يدعونا إلى السماحة و يرسم لنا منهاجاً أوصى به رب العزة سبحانه وتعالى رسوله الكريم (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم، و لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر) آل عمران 159
و بعد أن استعرض معنى الانتماء و درجاته قال: "دعونا نسأل بصراحة و وضوح: ما الذى يجعلنا نهتم في هذه الآونة بالذات بقضية الانتماء؟

* هل شبابنا يعاني من ضعف الشعور بالانتماء؟ و لماذا؟
* هل هناك علاقة بين ضعف الشعور بالانتماء و انتشار الجريمة و استخدام العنف وسيلة للتحاور مع الآخر؟
* هل هناك وسيلة لاستعادة روح الانتماء؟ كيف؟...".
ثم أجاب على السؤال الأول: "بكل أسف ـ :(نعم)! ففيه كثير من شبابنا مفتقدين لروح الانتماء... لكن هذا يحدث في الوقت الذي يشعر غيرهم بأحاسيس مختلفة و مشاعر فياضة و ارتباط قوى بمجتمعهم و وطنهم الكبير... إذاً المسألة لا علاقة لها بالوطن ذاته، إنما علاقتها الأساسية هي بهمزة الوصل بين الوطن و المواطن، بالجسر الموصل بينهما... فإذا كان هذا الكوبرى الموصل سليماً أضحت العلاقة قوية و يشعر المواطن حينئذ بأنه هو و مجتمعه جسد واحد، يسعد لسعادته و يتألم لألمه، يهتم بقضاياه و يلتزم بمبادئه، و يدافع عنه إذا أحدقت به الأخطار... أما إذا انعدم هذا الجسر؛ أضحى المواطن ناقماً على مجتمعه و وطنه، فاقداً الصلة الإيجابية التي تدعم هذا الارتباط الحيوي و الضروري و الهام... إذا وسيلة التواصل بين الوطن و المواطن لها أهمية قصوى في بث روح الانتماء، فما هي تلك الوسيلة السحرية؟
إنها التنشئة الاجتماعية... وهذا هو المحور الثاني من موضوعنا اليوم:
التنشئة الاجتماعية و علاقتها بالانتماء و بسلوكيات الأبناء"
ثم بدأ في تعريف معنى التنشئة الاجتماعية فقال: " لأجل أن نعرف معنى التنشئة الاجتماعية، لابد أن نقرر بداية حقيقة أن الإنسان بطبعه أناني، تلك هي جبلته الأولى، فهو منذ أن أصبح جنيناً في بطن أمه و هو سلبى الإرادة، يعيش بلا عمل، له حقوق و ليس عليه واجبات، يصله الغذاء عن طريق الحبل السري جاهزاً و مهضوماً، يعني لا يكلف نفسه حتى (عناء) فتح الفم و المضغ و البلع (و هنا أذكر تلك الطرفة التي تُحكى عن كسول جائع أبلغوه أن في البيت المجاور وليمة و هو مدعو لها، فظل على كسله و رد عليهم: أنا لسه ها قوم، و أمشى، و أأكل و أمضغ، و أبلع، و أرجع، خليني كده مرتاح أحسن)؛ "يتمنى الجوع و الراحة"... هكذا الجنين في بطن أمه، كسول جداً، و أناني أيضاً فهو يأخذ و لا يعطى، و يظل على هذا الحال شهوراً إلى أن تأتىي لحظة ولادته التى تعد لحظة فارقة في تاريخ حياته، فقطع الحبل السري يعني (قطع عيشه)!؛ فيصرخ و يبكى بكاء متواصلاً، خصوصاً و أن هذا يتزامن مع افتقاده للإحساس بالأمان داخل رحم الأم، و خروجه إلى عالم رحب رهيب، و أصوات مجلجلة و أجسام ديناصورية مرعبة بالنسبة له!... فيشعر بانتزاع جزء هام من حقه، حقه في الغذاء، حقه في الإحساس بالأمن و الأمان، حقه في الأنانية و التفرد... إلا أن الأم تعوضه بالرضاعة، و الهدهدة، و تسهر على راحته، إلى أن يبلغ سن الحضانة... هنا تبدأ مرحلة جديدة، هي الانتقال من مجتمعه الصغير (الأسرة) إلى مجتمع أكبر و أرحب، وهي نقلة مهمة في حياة الطفل تحتاج إلى إعداد، هذا الإعداد هو ما نطلق عليه (التنشئة الاجتماعية)... فالتنشئة الاجتماعية هي تحويل النشاط الفردي عن الأغراض الشخصية إلى الأهداف العامَّة... فهو في الحضانة و المدرسة و الجامعة و العمل لم يعد هذا الشخص الذي يأخذ و لا يعطي، إنه في حاجة لإعداده كيف يعرف العلاقة القوية بين الحق و الواجب، و أنه لا يعيش وحده في هذه الدنيا بل يشاركه غيره من البشر، و أن هؤلاء لهم حقوق و عليهم واجبات مثلهم مثله، و أن روح التعاون هي سر النجاح و التقدم... كما أن التربية الوطنية و الدينية و زرع روح الولاء لله و الوطن أساس من أسس التنشئة الاجتماعية السليمة التي تقي المجتمع مستقبلاً شرور انتشار ظواهر العنف و الجرائم الناشئة عن ضعف الشعور بالانتماء الناتج عن إهمال تنشئة الأبناء تنشئة اجتماعية سليمة، و المؤدى حتماً لظواهر العنف و انتشار الجريمة...".
ثم لفت النظر إلى أن البعض يركن في تفسيره لظواهر العنف و انتشار الجرائم إلى أسباب اقتصادية... من حيث أن انتشار رقعة الفقر و انخفاض دخل الأسرة و ارتفاع عدد أفراد الأسرة و الوضع الاجتماعي و التعليمي وصعوبة الحياة المعيشية التي تعيشها بعض الأسر مما يؤدي إلى زعزعة روح التآخى و الألفة و الود بين الأفراد... كما أن البعض الآخر يعزوا تلك الظاهرة إلى التأثر بالجوانب السلبية من النموذج الغربى و التى تطارد الشباب فى وسائل الإعلام و الفضائيات على نحو يهدم القيم و المثل و المبادىء و تؤثر في انتشار ظواهر الانحراف...
فأكد على أن: "العلاقة بين الثراء و الجريمة أقوى من العلاقة بين الفقر و الجريمة... كما أن الحصانة الحقيقية من أي انحراف هي في دعم مشاعر الانتماء و تقوية أواصر الحب بين أفراد المجتمع عن طريق التنشئة الاجتماعية السليمة"
ثم طرح سؤالاً كاشفاً: "لماذا تراجع دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية رغم أهميتها القصوى؟!" فاعتبر أن تفكك الأسرة هو السبب الرئيسي في تراجع دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية للأبناء..."
و هنا بدأ كعادته بتعريف معنى (تفكك) (الأسرة) فقال: "الأسرة: أهل الشخص و عشيرته، نقول: ينتمى إلى أسرة كريمة... الأسرة أيضاً: الجماعة التي تربطها أمور مشتركة، كقولنا أسرة بيت ثقافة السنبلاوين، أو أسرة نادى أدب السنبلاوين (تلك الأسرة التي نتمني أن تتآلف بود و حب كعادتنا بها و تنهي الخلافات القائمة الآن و التى تعرقل مسيرة الأدب في هذا النادي العريق الذي يُعد ثاني نادى أدب على مستوى فرع ثقافة الدقهلية، و الذى يضم نخبة من الأدباء المبدعين المتميزين)..." ثم أكمل تعريف معنى أسرة فقال: " إن أصل كلمة (الأسرة) في اللغة هي: الدرع الحصينة جمعها أُسَرٌ... يقول بيت الشعر: و الأسرةُ الحصداءُ والــ بيضُ المكللُ و الرماحُ... أما تفكك الشيء فمعناه فُصلت أجزاؤه، و تفككت عبارة الكاتب: أي أصبحت غير مترابطة و غير منسجمة، و تفككت الأسرة أى ضعفت"...
ثم أوضح أن تفكك الأسرة نوعين: "تفكك مباشر: و هو الناتج عن حدوث طلاق أو وفاة...
أو تفكك غير مباشر: وهو الناتج عن ابتعاد أفراد الأسرة بعضهم عن البعض ابتعاداً معنوياً رغم وجودهم تحت سقف واحد... "
ثم عرج على الأسباب التي تؤدي لتفكك الأسرة غير المباشر فقال: "من الأسباب المؤدية لتفكك الأسرة: قلة الوعى و ضعف الثقافة لدى الأبوين، و لما نقول قلة الوعي نقصد بهذا قلة الوعي المعرفي بأصول التربية السليمة و كيفية إقامة أسرة ناجحة، وع دم وعي الآباء و الامهات لمتطلبات المراحل العمرية للابناء و التي تتغير باستمرار, وبمدى اهمية توفير العاطفة قبل المادة للاولاد... كذلك الخلافات الأسرية المستمرة و التى تضع الابن بين شقي الرحى، فيشعر بعدم الاستقرار، الذي ينعكس على لجوئه للعنف و الجريمة كرد فعل و وسيلة ينتقم بها لنفسه من الظلم الذي حاق به، و أوجده في تلك الأسرة المتناحرة!... و ثالثة الأسافى هي استخدام العنف ضد الأبناء كوسيلة انتقامية من جانب الآباء و الأمهات على حد سواء... "
و عدد أشكال العنف و صنفها على نحو: "العنف ضد الأبناء يتمثل في: عنف بدني و عنف معنوي؛ إما بالضرب و الإيذاء البدنى، أو الحبس في غرفة مغلقة أو مظلمة أو تشغيل الأطفال في أعمال لا تتفق مع قدراتهم العقلية و الجسمية... أو عدم الاهتمام بتعليم الاطفال، و اهمال رعايتهم، و نقص الإشراف و المتابعة، و الحرمان العاطفي... و تزويج القاصرات..."‏
و ذكر أن استخدام العنف ضد الأبناء يفقدهم الشعور بالانتماء، إذ أن المتعرض للعنف ينهار داخله الشعور بتقدير الذات (فيفقد أول درجة من درجات الانتماء "انتماء الإنسان لنفسه")، ثم إن تعرضه للعنف داخل الأسرة يفقده ثاني درجة من درجات الانتماء و هى انتماء الإنسان إلى أسرته... فيتعثر دراسياً (فيفقد ثالث درجة من درجات الانتماء "انتماء الإنسان إلى مجتمعه الصغير ـ مدرسته أو جامعته ـ ")، فهل بعد أن يفقد ثلاث درجات من سلم الانتماء يمكن أن نطالبه بالانتماء لوطنه الكبير؟!، إن فاقد الشيء لا يعطيه، و بناء عليه فإن حماية الأبناء من العنف داخل الأسرة هو الأساس الذي تنبني عليه مشاعر الانتماء... "
ثم ذكر: "إن حماية أبناءنا من العنف الآن هو الطريق الأجدى لحماية المجتمع من عنفهم في المستقبل و تقوية مشاعر انتمائهم لأنفسهم و أسرهم و مجتمهم الصغير و وطنهم الكبير و لدينهم أيضاً"
و ذكر أن "ظاهرة العنف ضد الأبناء تقع في كل المجتمعات سواء العربية أو الغربية... لكن مع وجود فارق: أن المجتمع الغربي يعترف بوجود هذه المشكلة و يضع القوانين المعاقبة على ارتكابها, بعكس المجتمعات العربية التي تعتبرها من الأمور الخاصة... كما أن الفرق بين المجتمعات العربية و الغربية, انه في الغرب توجد مراكز بالامكان اللجوء اليها, حيث تتم حماية ضحايا العنف الاسري... اما في مجتمعنا فلا توجد مثل هذه المراكز. و في بعض الاحيان قد يلجأ بعض ضحايا العنف من الابناء إلى الشرطة, الا أن الشرطة لا تأخذ بشكوى ابن على والده أو والدته، و لابد من وجود ادلة و شهود و لا أحد من الإخوة يجرؤ على الشهادة ضد أبويه خشية تعرضهم هم أيضاً للعنف، فيرجع المتعرض للعنف الاسري مهزوما إلى منزله, أو تندفع الفتيات خاصة إلى البحث عن بديل يمدها بالعاطفة و الحنان الذي تحتاجه، من هنا تبدأ سلسلة من المآسي و الانحرافات السلوكية التي أساسها هو استخدام العنف ضد الأبناء داخل الأسرة... "
"و هنا لا يفوتنى أن أشير إلى سلسلة المقالات التى نشرتها لي مجلة روزاليوسف عام 2003 أي منذ سبع سنوات... و كنت أهدف من ورائها إلى الحث على إستصدار قانون لحماية الطفل من العنف داخل الأسرة..."
و استعرض فقرات مما أورده في ثلاثة مقالات منها: من يمنع ضرب الأطفال فى المنازل؟! والذي نُشر له فى باب (حوار الأسبوع) بمجلة روزاليوسف العدد (3914) بتاريخ 14/6/2003 صفحة 80:
"بعد صدور قرارات منع ضرب الأطفال داخل المدارس من الذي يملك سلطة منع ضرب الأطفال داخل المنازل؟! فباسم التربية و تهذيب الأبناء تُرتكَب أحياناً جنح القذف و السب و الضرب و جنايات ترويع آمنين و شروع في محو شخصية طفل باستخدام القوة و العنف!.
باسم التربية و تهذيب الأبناء على طريقة وحدوووه يمارس بعض أولياء الأمور مهنة حانوتية "ترابية" فيكفنون النبوغ و التفرد و يدفنون الموهبة و الإبداع و الابتكار و يهيلون التراب على البراءة و الحب و الحنان!
نسينا أن من حق الطفل أن يسأل و يحاور و يجادل و واجبنا أن نجيب و نتفهم و نتعقل ونصبر… يريد البعض إلغاء شخصية الطفل الخاصة و كيانه المختلف… يريدون أطفالاً نسخاً متطابقة شكلاً و موضوعاً على طريقة النعجة "دوللى"!
نسينا أن لكل جيل مفرداته الفكرية و تطلعاته المستقبلية… نسينا أن ممارسة القهر ضد الطفل تعد الطريقة المثلى لتفريخ العنف المضاد المتمثل في العداء للمجتمع و الأسرة و النفس."...
"إننا فى حاجة لتغيير نظرتنا للطفل، و معاملتنا له، و نحتاج لتغيير مفهومنا للتربية و التهذيب، بعيداً عن الشخط و النطر، و الفلكة و الكرباج… إننا في حاجة لمحو الشعار الذي عشش كالعنكبوت في أذهان البعض "العصا لمن عصا"، و نستبدل به: "الحب يصنع المعجزات".
إننا في حاجة لإنشاء جمعية لحماية الطفل... و بعد أن نجحت حملات التطعيم ضد الأمراض البدنية، نجاحاً منقطع النظير، نحتاج إلى حملة قومية لتطعيم الطفل طعم الحرية، ضد القهر و ضد الضرب… حملة قومية ضد الرعب و شلل الفكر."
ثم استعرض فقرات من مقاله (بلطجة عائلية!) الذى نُشر له في باب (حوار الأسبوع) بمجلة روزاليوسف بتاريخ 6/9/2003 صفحة 63
"عندما يكون الجو مشحون بالتوتر و القلق تتحول الكلمات إلى لكمات و الأسرة إلى أثرة تفرغ الزوجة جام غضبها على الأبناء انتقاماً من أنانية الزوج و تسلطه ويرد الأب بنفس السلاح انتقاماً من تطاول ست الدار على سي السيد و الضحية دائماًً هم الأطفال الصغار!
عندما يكون الجو مشحون بالتوتر و القلق نتحول إلى (قهرمان) ضد (الضعف بيبي)! في ماسوشية ديكتاتورية بغيضة نشخط و ننطر و نزعق و نضرب و نعبر عن جام غضبنا بشتى الوسائل و لطرق في ذات الوقت الذي نمنع فيه أطفالنا من التعبير عن غضبهم و لو سلبياً بالبكاء بل نصرخ في وجوههم كالمجانين (إخرس ياولد... إياك أن أسمع نفسك... اتكتم خالص)!
حقاً إنها بلطجة عائلية أو بالأحرى عيالية تحتاج لقانون رادع يحمي هؤلاء الأطفال الذين تنطق عيونهم بما لا يستطيعون التعبير عنه بالكلمات من رعب و فزع؛ فيرفعون أكتافهم الرقيقة لحماية وجوههم من بطش قساة القلوب الذين يحاولون قسراً انتزاع شخصياتهم و تفردهم بكل عنف و قهر و يطلقون على العملية المشبوهة من باب التمسح في الدين... و الدين منهم براء (الطاعة العمياء مقابل الإنفاق) يتعاملون مع الأطفال كما يتعاملون مع الجزار و بائع لحم الرأس و الفشة و الممبار!
من يحمى هؤلاء الأطفال من قسوتنا التي تقتل فيهم مزية التفرد و تجعلهم تابعين لنا بلا شخصية و كأنهم أشباح نمطية؟"
ثم استعرض فقرات من مقاله (اشتم عمو!) و الذي نُشر له في باب (حوار الأسبوع) بمجلة روزاليوسـف العدد {3929 } بتاريخ27 /9 /2003 صفحة 60
"يحلو لبعض الأسر عند اجتماعها، أن تستغل أطفالها كمادة للتسـلية و اللهو! فمنهم من يُعَلم طفله فنون السب و قبيح الكلام ثم يستنطقونه بالأمر (اشتم عمو)! فينطلق لسان الطفل بأقذع الألفاظ التي حفظها عن ظهر قلب دون إدراك لمعناها... و مع انطلاق الشتائم تنطلق الضحكات و القهقهات، فينظر الطفل بعفوية و استغراب إلى هؤلاء (الكبار) الذين يستحقون على فعلهم هذا: اللوم و التوبيخ و التأنيب!"
"فمن يحاسب هؤلاء (الكبار)على أفعالهم في حق أطفالهم و في حق المجتمع و من يحمي تلك الطفولة من عبث هؤلاء العابثين؟... إن عصا القانون الغليظة يجب أن تمتد إلى هؤلاء حتى داخل حصونهم الحصينة (بيوتهم) ما داموا يمارسـون جرائمهم تلك ضد الطفولة محتمين بها!"
ثم عبر عن سعادته بصدور القانون رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 و الذي نص في الباب الأول: مادة (1): تكفل الدولة حماية الطفولة و الأمومة، و ترعى الأطفال، و تعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة من كافة النواحي في إطار من الحرية و الكرامة الإنسانية...ـ "على رأس هذه التنشئة التنشئة الاجتماعية باعتبارها حجر الأساس في بناء صرح الانتماء الشامخ" ـ كما تكفل الدولة، كحد أدنى، حقوق الطفل الواردة باتفاقية حقوق الطفل و غيرها من المواثيق الدولية ذات الصلة النافذة فى مصر...
و أهدى نسخة من نص هذا القانون إلى بيت ثقافة السنبلاوين، 
ثم اختتم حديثه بالقول: " إننا مع حماية الطفل، و لكننا في ذات الوقت ضد أسلوب التدليل الزائد عن الحد و الذي له مخاطر قد تصل إلى حد انفلات الأبناء و انقلابهم على والديهم بالاستهزاء بهم أوالسخرية منهم و قد يتطور الأمر إلى عقوق أو استخدام العنف ضد الآباء و الأمهات!... فقانون حماية الطفل لا يعنى إهدار حقوق الوالدين، لكنه يرسخ قواعد و أسس لعلاقة أسرية تسودها روح المودة و الألفة و الحب... سعياً وراء تنمية مشاعر الولاء و الانتماء لهذا الوطن الكبير... حماية للمجتمع من انحراف أبنائه الذين هم عدته و عتادة في معركة التنمية و الرخاء و التقدم بإذن الله... ".
ثم شكر الحضور الكريم و طالبهم بطرح أسئلتهم و استفساراتهم التي جاءت في مجملها معبرة عن وعى كامل بقضية الانتماء... تلك القضية التي كانت و ما زالت و ستظل محوراً هاماً من محاور النقاش...
أدار الحوار كل من:
ـ الأستاذ/ رفعت عبد الهادى طرباى
ـ والأستاذ/ عابد على الغنام 
ـ فى حضور المهندس/ على محمد بدر
شارك في المداخلات و طرح الأسئلة و الاستفسارات كل من:
ـ أ/ رحاب جمعه أنور
ـ أ/ سحر عادل عبد العزيز
ـ أ/ نسرين محمود عبد المطلب
ـ أ/ منال المتولى
ـ أ/ إيمان محمد عزاز
ـ أ/ سمر محمود أصلان
ـ أ/ ماجده النحاس
ـ أ/ بشرى حسن الحسينى
ـ أ/ هدير محمد إبراهيم
ـ أ/ هنادى محمد إبراهيم
ـ أ/ على صبرى أمين
ـ أ/ تامر محمد محمود
ـ أ/ تامر محمد الهادى
ـ أ/ حمدي عبد الكريم أحمد
ـ أ/ محمد السيد إمام
ـ أ/ نهى نبيل سليم
ـ أ/ مروه ابراهيم حسن
ـ أ/ أسامه إبراهيم فكري
ـ أ/ عباس محمود عباس
ـ أ/ محمد سعد يوسف
ـ أ / وليد محمد علي
ـ أ / إيمان طلعت الدسوقي
ـ أ/ هشام علي فريد
ـ أ/ كريمه وفيق على
ـ أ/ غاده السيد بركات
ـ أ/ بهجت عبد الخالق حجازي
ـ أ/ نصر عبد العظيم الجوهري
ـ أ/ محمد عبد الواحد
ـ أ/ خالد شهيب
ـ أ/ إبراهيم عبد الله حسن
ـ أ/ حسن السيد الدسوقي
ـ أ/ هاشم إبراهيم الدسوقي
ـ أ/ محمد عابد السيد
ـ أ/ ولاء عادل رياض
ـ أ/ ساميه حسين كشك
ـ أ/ الصديق أحمد إبراهيم
ـ أ/ محمد مصطفى السيد
ـ أ/ أماني النبوي محمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ400ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم نشر هذه التغطية بموقع دنيا الرأي رابط :